- قد تقول: وما دليلك على هذا الكلام؟
- أقول لك: قال ربنا جل جلاله: {أن الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)} الانفطار، وهذا ليس في الآخرة فحسب بل في الدنيا والقبر والآخرة.
- سوف تقول: وكيف ذلك؟ نحن نرى أن الفجار في نعيم؟
- أقول لك: لا هذا ما أنت تراه..ولكن هم في الحقيقة كما قال الحسن البصري: "هم وإن هرطقت بهم البغال وهملجت بهم البرازين إلا أن ذل المعصية في قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه"، فلا تغرك المظاهر، لأن العصاة في داخل قلوبهم ألم وحزن لا يعلمه إلا الله، ولو ترى الكآبة التي يشعر بها العصاة حين يكون أحدهم وحيدًا ويواجه نفسه بالحقيقة.. والحزن الذي يشعر به ويجعله يفكر في الانتحار.
أما المؤمنين فهم في غاية السعادة وإن كان فقيرًا، وإن كان ضعيفًا وإن كان مريضًا، إلا أن داخل قلبه سعادة الرضى بالله، لذلك الطاعة لها جزاء والمعصية لها جزاء، فمن كذب أو خان أو سرق فسوف يُعاقب في الدنيا قبل الآخرة وإن نسي هو، والدليل قول الله جل جلاله {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} النساء_آية:123، في الدنيا قبل الآخرة جزاءً معجل.
الشاهد: أن من يطيع الله طاعة له أجر معجل في الدنيا، فقيام الليل أجره المعجل في الدنيا منهاة عن الإثم. كما قال بعض السلف: "من أصلح في ليله كوفئ في نهاره، ومن أصلح في نهاره كوفئ في ليله"، فمن يقوم الليل يستيقظ في الصباح وهو لا يرغب في معصية الله، لأن الله يصرف عنه ويحميه.
وابن القيم في كتاب (مدارج السالكين) يقول جملة خطيرة جدًا: "أن أول معاني التوبة أن تنظر إلى ما كان من إخلاعك عن العصمة، إذ منع الله عصمته عنك، إذ لو عصمك ما وجد الذنب إليك سبيلاً".
- هل واضح كلام ابن القيم أم أترجم (أشرح)؟
- بل ترجم.
- حسنًا سأشرح ولكن أولا.. ادفع.. والدفع لا يقبل لدينا إلا بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم (فصلِّ عليه).
فأول معاني التوبة.. أن تنظر إلى.. ما الذي أوقعك في الذنب؟ كيف وقعت فيه؟، والسبب: أن الله لم يعصمك، فلو عصمك الله ما عصيته، لذلك يقول الحسن البصري: "هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمه"، أي أنك هنت على الله فتركك تعصي، ولو كنت عزيز على الله لمنعك سبحانه وتعالى، يقول الشاعر:
أيها المعرض عنا إن إعراضك منا
لو أردناك جعلنا كل ما فيك يردنا
فلذلك.. كان انخلاعك عن العصمة قال سبحانه {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} آل عمران_آية:101، فلذلك تجد أن الإنسان المطيع لله.. الله يصرف عنه، أما العاصي فهو مخذول أينما يذهب يجد المعاصي، حتى لو لم يكن يريد أن يتحدث مع
فتاة.. فتجد الكثير من الفتيات تتعرض له ليتحدث معهن، وإن لم يرد فعل شيء حرام.. تجد العديد من الأشخاص يضغطوا عليه ليأخذ الرشوة، فهو مخذول..!. وتجد آخر موفق.. لا يرتكب المعاصي لأن أسبابها مصروفة عنه..فهذا معنى منهاة عن الإثم.
• رابعًا: مطردة للداء عن الجسد
فأصحاب قيام الليل هم أصح الناس أجسامًا، يُذكر أن رجلاً من السلف كان في عشر الثمانين – أي كان عمره خمسة أو ستة وثمانين سنة- فاعترضتهم قناة ماء (ترعة)، فأمسك ثوبه في يده وقفز، فصار على الجهة الأخرى.
ولا تظن أني أحدثك بأساطير وخرافات وتقول: "من عمره 85 سنة لا يستطيع أن يغادر سريره"، فاسأل أجدادك وسيخبرونك:
- أنه كان قديما من بهذا العمر يرى جيدًا رغم كبر سنه.. بينما تجدك الآن وأنت ابن الخمسة والعشرين سنة تلبس نظارات.. فعنينك فسدت من كثرة المعاصي!!
- وسيخبرونك أن أحدهم مات عن عمر كبير وهو يأكل اللوز.. بينما أنت أسنانك ضعيفة من كثرة أكل الحرام!!
فما أقوله لك حقيقة وليس خيال، وقد ذكر هذا الرجل السر، فعندما عوتب في فعله قال: "هذه أعضاء حفظناها في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر".. فهذه هي.. حفظ أعضاءه في الصغر من ارتكاب المعاصي.. فلم تعصي يديه، ولم تعصي عينيه، ولم تعصي أذنيه، ولم تعصي أسنانه.. فظلت صحته جيدة إلى ثمانين سنة.. فالله كريم يُجازي بالحسنة ويُجازي بالسيئة.. فهذه هي القضية.. "منهاة للإثم ومطردة للداء عن الجسد".. فقيام الليل صحة.
وقد قرأت دراسة طريفة جدًا لطبيبة في في إحدى الجرائد أو المجلات.. أنهم عملوا دراسة على من صلى التراويح في رمضان ومن لم يصلي، فقالوا أن قيام رمضان مفيد في خشونة الركبة وخشونة الظهر والغضروف والعمود الفقري و و و و.إلخ، ولكن كل هذا ليس مقصدنا من قيام رمضان، ولكن المقصد رضا الله فإن رضي الله فسيبارك لك في كل شيء.
• خامسًا: هو شرف المؤمن
ومن فوائد قيام الليل أيضًا أنه شرف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغنائه عن الناس" حسن – الجامع الصحيح، فقيام الليل شرف..!
فإذا كنت تريد أن تكون لك مكانة عند الله، و كل شخص منا له اسم عند الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا" صحيح – الجامع الصحيح، فكل شخص منا له اسم مكتوب عند الله.
- فما اسمك أنت؟
- قد تقول: أنا المهندس فلان، أو الدكتور فلان ..إلخ.
- وأقول: كل هذا ليس له قيمة عند الله؛ فأنت اسمك عند الله عبد، ولكن ما هي صفتك؟؟
صديق أم كذاب؟.. أمين أم خائن؟.. مؤمن أم فاجر؟.. تقي أم فاسق؟.. فما اسمك عند الله يا عبد الله؟
"إن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يُكتب عند الله صديقًا.." صحيح – الجامع الصحيح، فما اسمك أنت المكتوب عند الله؟.. فقيام الليل يجعل لك شرف عند الله سبحانه وتعالى. (الشرف هو: المكانة والدرجة وهو "البرستيج" كما تقولها)
• قيام رمضان سبب لتتعود على القيام
أخي في الله.. وأنا أحبك في الله.. قيام الليل في رمضان فيه أيضا تَعوّد على القيام، قالوا:
وينشئ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه
وليس يدين الفتى بحجــًا ولكن يعوده التدين أقربوه
فقيام الليل نوع من أنواع التعود، فلذلك قالت امرأة من السلف لأولادها: "يا بني تعودوا فعل الخير، فإن فعل الخير عادة وإن القلوب إذا اعتادت فعل الطاعة وراودها الملعون على معصية مرت بهم المعصية محتشمة وهم لها منكرون".
فاعَلِّم أبناءك بأن يقوموا الليل.. وأن يصلوا في المسجد.. وأن يقرأ قرآن.. وأن لا يكذب أو يشتم، فعود الطفل من سن سنتين وثلاثة وأربعة على هذه الطاعات، فإذا تعود هذه الطاعات تصبح هذه الطاعات عادة. لذلك نقول: بإنك إذا عودت ابنتك على الحجاب من سن ستة أو سبعة سنين فسوف تستحي عندما تكبر أن تكشف شعرها، ولكن إذا كانت تلبس القصير وتكشف شعرها، فسوف تستحي من أن تلبس الحجاب لأنها لم تتعود، فالخير عادة. والولد إذا تعود أن يصلي في المسجد.. فمتى سمع الآذان أصبحت عادة، فيبدل ثيابه ويذهب للصلاة في المسجد، أما من لم يتعود على الصلاة في المسجد فسوف يستحي من الدخول إلى المسجد.
فالتعود مهم جدًا وهو أصل في رمضان.. فالله يعودنا الله ثلاثين يومًا متتالية على الطاعة، فمن الممكن أن يُشرع الصيام.. أسبوع كل شهر.. أو ثلاثة أيام في الشهر ويؤدي نفس الغرض بستة وثلاثين يوم وليس ثلاثين يوم، ولكن المقصود شهر متواصل.. كل يوم صائم.. كل يوم تراويح.. كل يوم قرآن.. كل يوم سحور.. لكي تتعود على هذا.
• سادسًا: سبب للنور في وجوه القائمين
من فوائد شهر رمضان أيضًا هذا النور الذي يظهر في وجوه القائمين، فتجد نور في وجوه أهل قيام الليل، قالوا للحسن: ما بالنا نرى أهل القيام أحسن الناس وجوه؟، قال: "لأنهم خلوا في الليل بمولاهم فكساهم من نوره"، فهذه مواهب وإكرام من الله سبحانه وتعالى لأهل هؤلاء القيام.
بعد أن انتهيت من التراويح وعدت للبيت تبدء بعمل جو من السمر في البيت لمدة نصف ساعة فقط، فمثلا تسأل الأولاد: ما هي الآيات التي صلينا بها؟ متى سمعتم هذه الآية آخر مرة؟، وتحضر معك بعض الجوائز وهدايا بسيطة، وابدأ بتوزيع الجوائز، أو أحضر أحد كتب المسابقات التي تحوي على الأسئلة، وأبدأ بسؤال الأبناء والأم، واجعلها جلسة جميلة لمدة نصف ساعة وبعدها نم، ولكن قبل النوم اقرأ عشر آيات أو خمس آيات أو ثلاث آيات من القرآن اسمهن درس التدبر.